انت الان في كلية القانون

إثبات النسب بالبصمة الوراثية من الناحية القانونية والشرعية تاريخ الخبر: 17/03/2025 | المشاهدات: 369

مشاركة الخبر :

أهداف المقالة : تحقيق الهدف الثالث والخامس عشر والسادس عشر من أهداف التنمية المستدامة
تعرف البصمة الوراثية بأنها ( عبارة عن مجموعة من الصفات الخاصة التي يتميز بها كل انسان عن الاخر ويتم توارثها عن طريق الجينات البشرية )وتتسم بعدة خصائص هي :
1-تتميز البصمة الوراثية بأنها يمكن التعرف عليها من عدة مصادر اذ يمكن الحصول على البصمة الوراثية عن طريق تحليل اللعاب او الشعر او الدم او اي انسجة بشرية, ليس هذا وحسب بل ان الدراسات العلمية اثبتت ان من الممكن الحصول على البصمة الوراثية عن طريق عظام مضى عليها من الزمن اكثر من ثلاثمائة عام .
2-تتميز البصمة الوراثية ايضا بأنها لا يمكن ان تتشابه او تتطابق مع شخص اخر اذ ان البصمة الوراثية لشخص ما لا يمكن ان تتطابق مع بصمة شخص اخر فضلا عن ذلك ان الحمض النووي للإنسان لا يمكن ان يزور او يتم التلاعب به اضف الى ذلك ان الحمض النووي يتواجد بكل جزء من اجزاء جسم الانسان باستثناء كريات الدم الحمراء .
3-ان البصمة الوراثية تتميز بانها لا يصيبها اي تلف او تحلل اذا تعرضت لتغيير في الظروف المناخية من برد او حر لفترة طويلة فضلا عن ذلك انها موجودة في جميع خلايا جسم الانسان منذ تكونه والى بعد موته بمئات السنين, هذا وانها تتكون من خيوط رفيعة ملتفه على بعضها البعض مما يسهل قراءتها وخزنها على الحواسيب بشكل يسهل الرجوع عليها عند الحاجة .
ان اغلب القوانين المنظمة للأحوال الشخصية وخصوصا العربية منها حددت طرق اثبات النسب من خلال الاقرار او فراش الزوجية او الشهادة, اذ اغلب القوانين لم تتطرق الى امكانية اثبات النسب بالبصمة الوراثية, ولكن هناك بعض القوانين سمحت بأثبات النسب بالبصمة الوراثية وهذا الامر يتضح من خلال قانون الاحوال الشخصية الاماراتي رقم (28) لسنة (2005) اذ نصت المادة (89) منه على ( يثبت النسب بالفراش او بالإقرار او البينة او بالطرق العلمية اذا ثبت النسب) وبذلك يتضح ان القانون الاماراتي يأخذ بالبصمة الوراثية كطريقة او وسيلة من وسائل اثبات النسب, ليس هذا وحسب بل ان اثبات النسب لم يحصره بالبصمة الوراثية اذ ان القانون الاماراتي اورد كلمة الطرق العلمية في نص المادة (89) وهذا يعني ان الامر لا يقتصر على البصمة الوراثية فقط بل بأي طريقة علمية يمكن من خلالها اثبات النسب اذ صياغة هذه المادة جاءت على سبيل المثال وليس على سبيل الحصر فلم تقيد وسائل اثبات النسب بطرق محددة كما فعلت اغلب القوانين بل جعلت طرق اثبات النسب ممكنة بأي وسيلة متوفرة في الوقت الحاضر او بأي وسيلة اخرى يمكن ان تستجد في المستقبل.
كذلك قانون الاحوال الشخصية الاردني رقم (36) لسنة (2010) قد جعل من البصمة الوراثية وسيلة من وسائل اثبات النسب ولكنه اختلف عن القانون الاماراتي بشيء واحد وهو من الممكن ان يتم اثبات النسب بالبصمة الوراثية لكن بشرط وهو وجود فراش زوجية صحيح اذ نصت المادة (157) الفقرة ب من هذا القانون على ( لا يثبت نسب المولود لأبيه الا بفراش الزوجية او بالإقرار او بالبينة او بالوسائل العلمية المقترنة بفراش الزوجية) وعليه يتضح من نص هذه المادة ان البصمة الوراثية من الممكن ان تكون احدى وسائل اثبات النسب وفق القانون الاردني ولكن شرط وجود فراش زوجية صحيح اي قيام الزوجية بين الاطراف المتنازعة اذ وفقا لذلك لا يمكن اثبات النسب عن طريق البصمة الوراثية لأبن الزنا او الزواج غير الصحيح.
اما قانون الاحوال الشخصية العراقي رقم (188) لسنة 1959 لم ينص على امكانية اثبات النسب بالبصمة الوراثية وهذا الامر مسلم به نظرا لقدم قانون الاحوال الشخصية العراقي مقارنة بتاريخ ظهور البصمة الوراثية اذ اشار القانون العراقي الى ثلاث وسائل لأثبات النسب وهي الاقرار وفراش الزوجية والبينة, ولكن على الرغم من عدم النص على البصمة الوراثية كوسيلة من وسائل اثبات النسب يمكن الرجوع اليها واستخدامها كوسيلة من وسائل الاثبات استنادا الى الاحكام الموجبة لقانون الاثبات العراقي رقم (107) لسنة (1979) اذ جاء في الاحكام الموجبة لقانون الاثبات انه من الضروري الاستفادة من التطور العلمي في استنباط القرائن وبالآتي من الممكن الرجوع الى البصمة الوراثية لأثبات النسب بالاستناد الى الاحكام الموجبة في قانون الاثبات العراقي اذا قرر قاضي الموضوع بسلطته التقديرية, اضف الى ذلك ان المادة (104) من قانون الاثبات العراقي سمحت للقاضي ان يرجع للوسائل العلمية الحديثة لاستنباط القرائن القضائية اذ نصت هذه المادة على ( للقاضي ان يستفيد من وسائل التقدم العلمي في استنباط القرائن القضائية) وعليه يتضح من نص هذه المادة انه من الممكن ان يستخدم القاضي البصمة الوراثية كوسيلة من وسائل اثبات النسب كون البصمة الوراثية من الوسائل العلمية الحديثة التي توصل اليها العلم.
كما هو معروف ان البصمة الوراثية من الوسائل العلمية التي ظهرت حديثا فمن الطبيعي لا نجد لها اي اثر عند فقهاء المذاهب الاسلامية السابقة, وبالآتي سوف نتطرق في هذا المقام الى اراء كل من فقهاء المذهب الجعفري وفقهاء المذهب السني وكما يأتي:-
ابتداء ان فقهاء المذهب الجعفري اختلفوا فيما بينهم حول امكانية اثبات النسب بالبصمة الوراثية فهناك جانب من فقهاء المذهب الجعفري لا يجيزون الاعتماد على البصمة الوراثية كوسيلة من وسائل اثبات النسب وهذا الجانب يتمثل بالشيخ اللنكراني والسيد كاظم الحائري, اذ هناك استفتاء شرعي وجه الى الشيخ اللنكراني حول امكانية اعتماد البصمة الوراثية كوسيلة لأثبات نسب الطفل عند الاشتباه او معرفة الاب للمتولد من زنا وكان جواب الشيخ اللنكراني بالنفي اذ قال ان البصمة الوراثية لا يعتبر بها كوسيلة من وسائل اثبات النسب, وكذلك السيد الحائري وجه اليه سؤال مثيل للسؤال الذي وجه الى الشيخ اللنكراني وكان جواب السيد الحائري بالنفي ايضا اذ قال ان البصمة الوراثية لم تثبت شرعيتها في اثبات النسب .
وهناك جانب اخر من فقهاء المذهب الجعفري اجاز الاعتماد على البصمة الوراثية كوسيلة لأثبات النسب ومنهم السيد السيستاني اذ هناك سؤال وجه الى السيد السيستاني بخصوص البصمة الوراثية ودورها في اثبات النسب وكان جواب السيد هو ان الفحوص الطبية الحديثة التي لا تتخللها الاجتهادات الشخصية يجوز الاعتماد عليها, وعليه فأن جواب السيد السيستاني دليل على ان البصمة الوراثية يمكن الرجوع اليها في اثبات النسب, وايضا ممن اجازوا الاعتماد على البصمة الوراثية كوسيلة لأثبات النسب السيد فضل الله اذ قال السيد فضل الله ان الفحوصات الطبية يعتمد عليها اذا كانت تفيد الجزم بنسب المولود .
اما فقهاء المذهب السني فقد اختلفوا ايضا فيما بينهم حول اعتماد البصمة الوراثية كوسيلة من وسائل اثبات النسب, اذ افتى مفتي مصر الدكتور علي جمعة بعدم جواز الاستعانة بتحليل البصمة الوراثية لأثبات ولد الزنا, اما مفتي الديار المصرية السابق الدكتور نصر فريد قال انه يجوز الاعتماد على البصمة الوراثية اذا كانت مفيدة لليقين وقائمة على اسس علمية مقبولة وقد اشترط فيها عدة شروط من اجل العمل بها ومن هذه الشروط ان تكون شائعة ومنتشر العمل بها وان تحقق درجة عالية من اليقين وان تكون مقبولة من قبل اهل الاختصاص وان يكون القائمون على اجراء الفحوص والتحاليل الخاصة بالبصمة الوراثية عدولا وثقة وامناء ،اما رأي الشيخ القرضاوي حول اثبات النسب بالبصمة الوراثية هو يجوز الاعتماد على البصمة الوراثية في اثبات النسب ولكن حق اثبات النسب بالبصمة الوراثية هو حق مقتصر على المرآه فقط دون الرجل, اذ وفقا لرأي القرضاوي ان اثبات النسب بالبصمة الوراثية يكون حق خاص للمرآه فقط .